فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} أين هنا اسم شرط بمعنى إنْ وما مزيدةٌ عليها، و{تولوا} مجزوم بها.
وزيادة ما ليست لازمةً لها؛ بدليل قوله: الخفيف:
أَيْنَ تَضْرِبْ بِنَا العُدَاةَ تَجِدْنَا

وهي ظرف مكان، والناصب لها ما بعدها، وتكون اسم استفهام أيضًا، فهي لفظ مشترك بين الشرط والاستفهام كمَنْ وما.
وزعم بعضهم أن أصلها السؤال عن الأمكنة، وهي مبنية على الفتح لتضمنها معنى حرف شرط أو الاستفهام.
وأصل تُولُوا: تُولِّيوا فأعل بالحذفن وقرأ الجمهور: {تُوَلُّوا} بضم التاء واللام بمعنى تستقبلوا، فإن ولى وإن كان غالب استعمالها أدبر، فإنها تقتضي الإقبال إلى ناحية ما.
تقول: وليت عن كذا إلى كذا، وقرأ الحسن: {تَوَلَّوا} بفتحهما.
وفيها وجهان:
أن يكون مضارعًا، والأصل: تتولوا من التولية، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا، نحو: {تَنَزَّلُ الملائكة} [القدر: 4].
والثاني: أن يكون ماضيًا، والضمير للغائبين ردًّا على قوله: {لَهُمْ في الدُّنْيَا ولهم في الآخرة} فتتناسق الضمائر.
وقال أبو البقاء: والثاني: أنه ماض والضمير للغائبين، والتقدير: أينما يَتَلّوا، يعنى: أنه وإن كان ماضيًا لفظًا فهو مستقبل معى ثم قال: وقد يجوز أن يكون ماضيًا قد وقع، ولا يكون أين شرطًا في اللفظ، بل في المعنى، كما تقول: ما صنعتَ صنعتُ إذا أردت الماضي، وهذا ضعيف؛ لأن أين إما شرط، أو استفهام، وليس لها معنى ثالث.
انتهى وهو غير واضح.
قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ الله} الفاء وما بعدها جواب الشَّرْط، فالجملة في محلّ جزم، وثمَّ خبر مقدمن و{وَجْهُ اللهِ} رفع بالابتداء، وثمَّ اسم إشارة للمكان البعيد خاصة مثل: هنا وهنَّا بتشديد النون، وهو مبني على الفتح لتضمّنه معنى حرف الإشارة أو حرف الخطاب.
قال أبو البقاء: لأنك تقول في الحاضر هنا وفي الغائب هناك، وثَمَّ ناب عن هناك وهذا ليس بشيء.
وقيل: بني لشبهه بالحَرْشفِ في الافتقار، فإنه يفتقر إلى مشار إليه، ولا ينصرف بأكثر من جره بمن.
ولذلك غَلِظ بعضهم في جعله مفعولًا في قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} [الإنسان: 20]، بل مفعول {رأيت} محذوف. اهـ.

.تفسير الآية رقم (116):

قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفاد ما تقدم وصفه تعالى بتمام القدرة واتساع الملك والفضل وشمول العلم كان من المحال افتقاره إلى شيء ولد أو غيره قدّم أهل الأديان الباطلة كلهم بافترائهم في الولد اليهود في عزير والنصارى في المسيح وعبدة الأوثان في الملائكة فقال معجبًا ممن اجترأ على نسبة ذلك إليه مع معرفة ما تقدم عاطفًا على ما سبق من دعاويهم: {وقالوا اتخذ الله} الذي له الكمال كله وعبر بقوله: {ولدًا} الصالح للذكر والأنثى لينظم بذلك مقالات الجميع.
ولما كان العطف على مقالات أهل الكتاب ربما أوهم اختصاص الذم بهم حذفت واو العطف في قراءة ابن عامر على طريق الاستئناف في جواب من كأنه قال: هل انقطع حبل افترائهم؟ إشارة إلى ذم كل من قال بذلك، وذلك إشارة إلى شدة التباسها بما قبلها كما قال الإمام أبو علي الفارسي في كتاب الحجة، لأن جميع المتحزبين على أهل الإسلام مانعون لهم من إحياء المساجد بالذكر لشغلهم لهم بالعداوة عن لزومها، والحاصل أنه إن عطف كان انصباب الكلام إلى أهل الكتاب وأما غيرهم فتبع لهم للمساواة في المقالة، وإذا حذفت الواو انصب إلى الكل انصبابًا واحدًا.
ونزه نفسه الشريفة استئنافًا بقوله: {سبحانه} فذكر علم التسبيح الجامع لإحاطة المعنى في جوامع التنزيه كله، ثم جاء بكلمة الإضراب المفهمة الرد بالنفي فكأن الخطاب يفهم: ما اتخذ الله ولدًا ولا له ولد {بل له ما} فعبر بالأداة التي هي لغير العاقل تصلح له تعميمًا وتحقيرًا لهم {في السماوات والأرض} مما ادعت كل فرقة منهم فيه الولدية وغير ذلك.
ثم علله بقوله معبرًا بما يفهم غاية الإذعان: {كل له قانتون} أي مخلصون خاشعون متواضعون، لاستسلامهم لقضائه من غير قدرة على دفاع، ولا تطلع إلى نوع امتناع العاقل، غيره، حتى كأنهم يسعون في ذلك ويبادرون إليه مبادرة اللبيب الحازم.
قال الحرالي: فجاء بالجمع المشعر كما يقال بالعقل والعلم لما تقدم من أنه لا عجمة ولا جمادية بين الكون والمكوّن، إنما يقع جمادية وعجمة بين آحاد من المقصرين في الكون عن الإدراك التام؛ والقنوت ثبات القائم بالأمر على قيامه تحققًا بتمكنه فيه. انتهى.

.اللغة:

{سبحانه} سبحان مصدر سبح بمعنى نزه ومعناه التبرئة والتنزيه عما لا يليق بجلاله تعالى.
{قانتون} مطيعون خاضعون من القنوت والطاعة والخضوع.
{بديع} البديع: المبدع، والإبداع: الاختراع والابتكار، وهو اختراع الشيء على غير مثال سبق.
{قضى} أراد وقدر.
{بشيرا} البشير: المبشر وهو المخبر بالأمر الصادق السار.
{نذيرا} النذير: المنذر وهو المخبر بالأمر المخوف ليحذر منه.
{الجحيم} المتأجج من النار.
{ملتهم} أي دينهم وجمعها ملل، وأصل الملة: الطريقة المسلوكة، ثم جعلت اسما للشريعة التي أنزلها الله.
{عدل} فداء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو النوع العاشر من مقابح أفعال اليهود والنصارى والمشركين، واعلم أن الظاهر قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} أن يكون راجعًا إلى قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله} [البقرة: 114] وقد ذكرنا أن منهم من تأوله على النصارى، ومنهم من تأوله على مشركي العرب، ونحن قد تأولناه على اليهود وكل هؤلاء أثبتوا الولد لله تعالى، لأن اليهود قالوا: عزيز ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، ومشركو العرب قالوا: الملائكة بنات الله فلا جرم صحت هذه الحكاية على جميع التقديرات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ووهب بن يهودا فإنهم جعلوا عزيرًا ابن الله، أما قوله تعالى: {سبحانه} فهو كلمة تنزيه ينزه بها نفسه عما قالوه، كما قال تعالى في موضع آخر: {سبحانه أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] فمرة أظهره، ومرة اقتصر عليه لدلالة الكلام عليه، واحتج على هذا التنزيه بقوله: {بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} ووجه الاستدلال بهذا على فساد مذهبهم من وجوه.
الأول: أن كل ما سوى الموجود الواجب ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته محدث، وكل محدث فهو مخلوق لواجب الوجود، والمخلوق لا يكون ولدًا، أما بيان أن ما سوى الموجود الواجب ممكن لذاته، فلأنه لو وجد موجودان واجبان لذاتهما لاشتركا في وجوب الوجود، ولامتاز كل واحد منهما عن الآخر بما به التعين، وما به المشاركة، غير ما به الممايزة، ويلزم تركب كل واحد منهما من قيدين، وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه من غيره، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته، فكل واحد من الموجودين الواجبين لذاتهما ممكن لذاته، هذا خلف، ثم نقول: إن كان كل واحد من ذينك الجزءين واجبًا عاد التقسيم المذكور فيه، ويقضي إلى كونه مركبًا من أجزاء غير متناهية، وذلك محال، ومع تسليم أنه غير محال فالمقصود حاصل، لأن كل كثرة فلابد فيها من الواحد، فتلك الآحاد إن كانت واجبة لذواتها كانت مركبة على ما ثبت، فالبسيط مركب هذا خلف، وإن كانت ممكنة كان المركب المفتقر إليها أولى بالإمكان، فثبت بهذا البرهان أن كل ما عدا الموجود الواجب ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو محتاج إلى المؤثر، وتأثير ذلك المؤثر فيه إما أن يكون حال عدمه أو حال وجوده، فإن كان الأول فذلك الممكن محدث، وإن كان الثاني فاحتياج ذلك الموجود إلى المؤثر، إما أن يكون حال بقائه أو حال حدوثه، والأول محال لأنه يقتضي إيجاد الوجود فتعين الثاني وذلك يقتضي كون ذلك الممكن محدثًا فثبت أن كل ما سوى الله محدث مسبوق بالعدم وأن وجوده إنما حصل بخلق الله تعالى وإيجاده وإبداعه، فثبت أن كل ما سواه فهو عبده وملكه فيستحل أن يكون شيء مما سواه ولدًا له، وهذا البرهان إنما استفدناه من قوله: {بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} أي له كل ما سواه على سبيل الملك والخلق والإيجاد والإبداع.
والثاني: أن هذا الذي أضيف إليه بأنه ولده إما أن يكون قديمًا أزليًا أو محدثًا، فإن كان أزليًا لم يكن حكمنا بجعل أحدهما ولدًا والآخر والدًا أولى من العكس، فيكون ذلك الحكم حكمًا مجردًا من غير دليل وإن كان الولد حادثًا كان مخلوقًا لذلك القديم وعبدًا له فلا يكون ولدًا له.
والثالث: أن الولد لابد وأن يكون من جنس الوالد، فلو فرضنا له ولدًا لكان مشاركًا له من بعض الوجوه، وممتازًا عنه من وجه آخر، وذلك يقتضي كون كل واحد منهما مركبًا ومحدثًا وذلك محال، فإذن المجانسة ممتنعة فالولدية ممتنعة.
الرابع: أن الولد إنما يتخذ للحاجة إليه في الكبر ورجاء الانتفاع بمعونته حال عجز الأب عن أمور نفسه، فعلى هذا إيجاد الولد إنما يصح على من يصح عليه الفقر والعجز والحاجة، فإذا كان كل ذلك محال كان إيجاد الولد عليه سبحانه وتعالى محالًا، واعلم أنه تعالى حكى في مواضع كثيرة عن هؤلاء الذين يضيفون إليه الأولاد قولهم، واحتج عليهم بهذه الحجة وهي أن كل من في السموات والأرض عبد له، وبأنه إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، وقال في مريم: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق الذي فِيهِ يَمْتُرُون مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه إِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون} [مريم: 34، 35] وقال أيضًا في آخر هذه السورة: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدًّا أَن دَعَوْا للرحمن وَلَدًا وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن في السموات والأرض إِلاَّ اتِى الرحمن عَبْدًا} [مريم: 88 93] فإن قيل: ما الحكمة في أنه تعالى استدل في هذه الآية بكونه مالكًا لما في السموات والأرض، وفي سورة مريم بكونه مالكًا لمن في السموات والأرض على ما قال: {إِن كُلُّ مَن في السموات والأرض إِلاَّ اتِى الرحمن عَبْدًا} قلنا: قوله تعالى في هذه السورة: {بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} أتم، لأن كلمة ما تتناول جميع الأشياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} نزلت في اليهود حيث قالوا عزيز ابن الله وفي نصارى نجران حين قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب حيث قالوا الملائكة بنات الله فالضمير لما سبق ذكره من النصارى واليهود والمشركين الذين لا يعلمون، وعطفه على {قَالَتْ اليهود} [البقرة: 113] وقال أبو البقاء على {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة} [البقرة: 111]: وجوز أن يكون عطفًا على {مَنَعَ} [البقرة: 411] أو على مفهوم من أظلم دون لفظه للاختلاف إنشائية وخبرية، والتقدير ظلموا ظلمًا شديدًا بالمنع، وقالوا: وإن جعل من عطف القصة على القصة لم يحتج إلى تأويل، والاستئناف حينئذٍ بياني كأنه قيل بعدما عدد من قبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله تعالى أم امتد؟ فقيل: بل امتد فإنهم قالوا ما هو أشنع وأفظع، والاتخاذ إما بمعنى الصنع والعمل فلا يتعدى إلا إلى واحد، وإما بمعنى التصيير، والمفعول الأول محذوف أي صير بعض مخلوقاته ولدًا، وقرأ ابن عباس وابن عامر وغيرهما قالوا بغير واو على الاستئناف أو ملحوظًا فيه معنى العطف، واكتفى بالضمير، والربط به عن الواو كما في (البحر) {سبحانه} تنزيه وتبرئة له تعالى عما قالوا: بأبلغ صيغة ومتعلق سبحان محذوف كما ترى لدلالة الكلام عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الضمير المرفوع بقالوا عائد إلى جميع الفرق الثلاث وهي اليهود والنصارى والذين لا يعلمون إشارة إلى ضلال آخر اتفق فيه الفرق الثلاث.
وقد قرئ بالواو وقالوا على أنه معطوف على قوله: {وقالت اليهود} [البقرة: 113] وهي قراءة الجمهور.
وقرأه ابن عامر بدون واو عطف وكذلك ثبتت الآية في المصحف الإمام الموجه إلى الشام فتكون استئنافًا كأنَّ السامع بعد أن سمع ما مر من عجائب هؤلاء الفرق الثلاث جمعًا وتفريقًا تسنى له أن يقول لقد أسمعتنا من مساويهم عجبًا فهل انتهت مساويهم أم لهم مساوٍ أخرى لأن ما سمعناه مؤذن بأنها مساوٍ لا تصدر إلا عن فطر خبيثة.
وقد اجتمع على هذه الضلالة الفرق الثلاث كما اتفقوا على ما قبلها، فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال المشركون الملائكة بنات الله فتكون هاته الآية رجوعًا إلى جمعهم في قَرَن إتمامًا لجمع أحوالهم الواقع في قوله: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين} [البقرة: 105] وفي قوله: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم} [البقرة: 113].
وقد ختمت هذه الآية بآية جمعت الفريق الثالث في مقالة أخرى وذلك قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} [البقرة: 118] إلى قوله: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم} [البقرة: 118].
والقول هنا على حقيقته وهو الكلام اللساني ولذلك نصب الجملة وأريد أنهم اعتقدوا ذلك أيضًا لأن الغالب في الكلام أن يكون على وفق الاعْتِقَاد.
وقوله: {اتخذ الله ولدًا} جاء بلفظ اتخذ تعريضًا بالاستهزاء بهم بأن كلامهم لا يلتئم لأنهم أثبتوا ولدًا لله ويقولون اتخذه الله.
والاتخاذ الاكتساب وهو ينافي الولدية إذ الولدية تولد بدون صنع فإذا جاء الصنع جاءت العبودية لا محالة وهذا التخالف هو ما يعبر عنه في علم الجدل بفساد الوضع وهو أن يستنتج وجود الشيء من وجود ضده كما يقول قائل: القتلُ جناية عظيمةٌ فلا تكفَّر مثل الردة.
وأصل هذه المقالة بالنسبة للمشركين ناشئ عن جهالة وبالنسبة لأهل الكتابين ناشئ عن توغلهما في سوء فهم الدين حتى توهموا التشبيهات والمجازات حقائق فقد ورد وصف الصالحين بأنهم أبناء الله على طريقة التشبيه وورد في كتاب النصارى وصف الله تعالى بأنه أبو عيسى وأبو الأمة فتلقفته عقول لا تعرف التأويل ولا تؤيد اعتقادها بواضح الدليل فظنته على حقيقته.
جاء في التوراة في الإصحاح 14 من سفر التثنية أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا أجسامكم وفي إنجيل متى الإصحاح 5 طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدْعَون.
وفيه: وصَلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات.
وفي الإصحاح 6: انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها.
وتكرر ذلك في الأناجيل غير مرة ففهموها بسوء الفهم على ظاهر عبارتها ولم يراعوا أصول الديانة التي توجب تأويلها ألا ترى أن المسلمين لما جاءتهم أمثال هاته العبارات أحسنوا تأويلها وتبينوا دليلها كما في الحديث: «الخلقُ عيال الله».
وقوله: {سبحانه} تنزيه لله عن شنيع هذا القول.
وفيه إشارة إلى أن الوَلَدِيَّة نقص بالنسبة إلى الله تعالى وإن كانت كمالًا في الشاهد لأنها إنما كانت كمالًا في الشاهد من حيث إنها تسد بعض نقائصه عند العجز والفقر وتسد مكانه عند الاضمحلال والله منزه عن جميع ذلك فلو كان له ولد لآذن بالحدوث وبالحاجة إليه. اهـ.